بينما يعاني عاكازه بإيقاع جنائزي، عصر أبو طاهر وعائلته في قلبهم ثقل الترحال المستمر وألم الهوية المهدورة، حيث يؤدي كل طريق يمشون به إلى المزيد من الغربة والخسارة.
في النهاية، تسيطر على مأوى جديد في مكان بعيد وبارد تحت ثلج كندا، وتنظم خيمة الأمل التي طالما احتضنتها رمز صامت للنوم، بينما يسأل الجميع: أين يمكن للفلسطيني أن ينصب خيمته في بلاد بلا حدود له؟
نهاية الخيمة
نضال الخليل
نحن من عرب بيت لحم ورثنا خيام… في كل مكان لار وطناً بما في ذلك الغناء والصلاة.. لم ننش دون جوازات سفركم.
قال طاهر كلماته بغضب في وجه رجل الأمن بصلحة الجوازات.
الرجل ساخرا:
عامل فيه خطيب؟!
لا خطيب ولا غيرو، بتعرف بلهجتنا كل ترحال يزيد في وطنكم مدينة، أنا أطالب بحكم جنسي في بلدكم كيف تأخذون منا جوازات السفر؟!
-إنها الجهات الرسمية وصدقني أنا كثيرة فارقة مع كنتم بجواز السفر أم لا.
-قرارات حكومية سحبت منا الجنسية.. نحن الآن بلا جوازات سفر..
أبو طاهر حمل عكازة متجها إلى الجناح:
بدو حاقدون لو ينسوا ثأرهم معي… منذ أكثرَ من أربعين حدد أمرهم، وخلعت البِزَّة العسكرية، قلت للضابط بندقيتي لا تقتل إخوتي.
ولهذا السبب مذبحة لن تُغفر لكم.. كانت أول حرب معها.. علقوا منصة الإعدام في ساحة بيتي، لكنّي هربتُ من أصدقاء في منظمة التحرير إلى حوران بسوريا.
الآن أعيدون تجربتي.. مشنقتهم أحرقت جوازات السفر..
ضرب الأرض بعكازه بإيقاع جنائزي عاد به إلى صوت قرع الطبول، ويداه كانتا تحملان ساعة أبي خالد الفتى الفلسطيني الغاغضب، وصاحب الجملة الباقية في ذاكرة أبي طاهر: “العدو داخلي أنجس من براز كلبة.”
معركة أولُها ألي.. الموت في ألُي.. المجزرةُ ألي..
في أيلول من كل عام لا يسمع إلا قرع الطب الجنائزية وصرخات النسوة المذبوحة من وسخ بندقياتهم.
أخذ إلى ولده: خذني لغرفتي أريد النوم.
الطبر طاهر باب الغرفة الشائع إلى إخوته.
عكاز والدي تعبت من التعقيد.. القهوة لم تعمر طويلا منذ طرحها.
تضحك سلمى الاخت التي تشبه بسمرتها عنجهية البدوية على الماء.
نذر!! لقد ذبحنا أكثر من ضحيتها لكن دمها كان يزيد من لعنة الإستكشاف.
قال سالم الأخ الصغير:
نحن عرب رحل بكل معنى الكلمة، ركضنا صوبة الماء والعشب لأعوام، ولكن لم نملك خرافاً معزاً.. كنا نحن المَعْز.
يسمع أبو طاهر جدل أبنائه.. مشرفا إلى عكازه:
أيها الحديدي يقصف لعنات الححال تطاردنا.. أشعر بأنيابها تحت جلدي.
مزيريب وبعدها دمشق، مخيم جرمانا، دير علي والحسينية.. والآن عدنا من نفس الطريق :- طيرانَ وهم تعب.. من بوابة حوران عدنا وجوهنا لم نأت.
الفرق أن كلفة طيران فارسُ سفر.
وأنا بدوي فلسطين كل أعضاء استعادةني هناك إلى بيت لحم.
يخيم الصمت على البيت مع عتمة الليل.
كتب سالم لصديقته:
علينا الهرب.. كل شيء هنا عصر الموت، ونحن الهاربون من فم الموت، من سورية، تقول حرب أنجس من براز كلبة.
الجهاز شبه بقبر.
الأسرة عادت خيامها ليحال بدوي مقهور، تبحث من ماء وكلأ والنار في أحلامهم لا تنطفئ.
إيقاع عكاز أبي طاهر أخرسَ كل اللغات.
سمعت أم عمر جارتهم في مشروع الحسينية وسميت باسم كندا، قالت:
أبو طاهر لا يحتمل وعكازه لا تمشي على الجليد.. بدوي في بلاد الثلج.. حيث سينصب خيمته وهوته.. المكانُ -بلا خيمة- قبر .