14 January, 2025

“لا غبار عليه”.. ثلاث مسرحيّات وفيلم من داخل الزنزانة!

يوسف الشايب

تحت عنوان “لا غبار عليه” قدّم محمد باشا وعلاء أبو غربية، مسرحية من أحدث إنتاجات المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، تناولت يوميّات أسيرين في واحدة من زنازين الاحتلال.

العمل المستوحى من مسرحية “الجزيرة” للكاتب الجنوب أفريقي أوثول فاجارد، أَعد نصّه بنسخته الفلسطينية وأخرجه الفنان كامل الباشا، وعُرض في ثالث أيام النسخة السادسة من مهرجان عشتار الدولي لمسرح الشباب، وسط حضور كبير أمّ قاعة المسرح البلدي بدار بلدية رام الله.

ولعل كون الباشا نفسِه كان أسيراً في زنازين الاحتلال، ساهم في تقديم عمل يستحق الكثير من التأمل، لاسيما مع نجاحه في أنسنة الأسير الفلسطيني، الذي يدفع عمره ثمناً لحرية شعبه، دون أسطرة ولا امتهان، بالاتكاء على تقنية “المسرح داخل المسرح”.

وكان ذلك باستعادة رائعة سوفوكليس، “أنتيغوني”، التي تعالج مسألة التمرد على نظام الحكم المستبد، ممثلاً بالملك “كريون”، الذي تمردت “أنتيغوني” على قراره منع دفن أخيها، مع إسقاطات على الواقع المُعاش بمعناه المُطلق، وإن كانت مؤشرات لباس الأسرى تجعل الحديث عن فلسطين والاحتلال الواقع عليها.

وتذهب المسرحية إلى أن هناك أكثر من “كريون” يوزّعون النياشين على أنفسهم، وعلى “عظام الرقبة”، في واقعنا المعاش، كما جاء على لسان أحد الممثليَن الاثنين.

تتصاعد الأحداث مع استدعاء أحد الأسيرين دون الآخر للحديث معه أن صفقة تبادل للأسرى ستشمله، فيبدأ الاستعداد مع شيء من الريبة بأن يحدث ما يدفع الاحتلال للتراجع عن تنفيذ تلك الصفقة، أو أن لا صفقة، والأمر مجرد خدعة من السجّانين، في حين يحدث ما هو غير متوقع في خضم ذلك الفرح غير المكتمل، والذي يستحيل حزناً كبيراً حدّ البكاء.

ووظف الباشا بذكاء “أنتيغوني” سيفوكليس، مستعيداً أيضاً النسخة الفلسطينية منها، كما قدمها المسرح الوطني الفلسطيني سابقاً، متحدثاًَ على لسان واحد من الأسيرين حول الأداء المتميز لكل من الفنانين: حسام أبو عيشة، ومحمود عوض، وشادن سليم، فيها، وشكلت حالة بالنسبة للأسير المثقف عاشق المسرح، الذي من المقرر، أو كان من المقرر أن يخرج في صفقة للتبادل.

ووظف الباشا أيضاً شخصيته “ياسر سلامة” وشخصية اللبناني “طوني حنا” في فيلم “القضية رقم 23” الذي حصل على دوره في بطولته على جائزة أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي قبل سنوات.

ويعود الفيلم ضمنياً ليُعرض على لسانَي الممثليَن، في المكالمة الهاتفية المفترضة بينهما وبين “حنا”، مبدياً تعاطف الفلسطينيين مع ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، رغم الواقع الصعب بين شرائح من الشعبين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتداعياته، وهو ما كان قد تطرق إليه الفيلم اللبناني الذي نافس على القائمة القصيرة للأوسكار.

و”لا غبار عليه” أغنية فلسطينية من كلمات الراحل حسين البرغوثي، وألحان وغناء الفنان الفلسطيني جميل السايح، وظهرت في فيلم “نداء الجذور” لناظم جبارين في العام 1985، ثم أصدرها السايح في أسطوانته “رصيف المدينة”.

ورغم النهاية المأساوية للعمل، تبقى كلمات حسين البرغوثي التي ترددت مراراً في العمل، تارة مع دخول الجمهور إلى القاعة، كما غناها الممثل علاء أبو غربية خلال العمل نفسه، فيما عُرضت مسجلة بعد نهايته، ترن في الآذان والأذهان، هي التي من بين كلماتها: رصيفُ المدينة في الليلِ لا غبار عليه.. عندما لا نخاف منه ولا ننام عليه.. عندما نضحكُ من معدتنا لأجلِ فنجان شاي تحت قوس قزح، يكون الفرح لا غبار عليه.. عندما ينبع الجمال في عيوننا من الربيع في داخلنا يكون الرمش لا غبار عليه.

المصدر: جريدة الأيام 

رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=4803

Font Resize