بديعة زيدان:
تحت عنوان “اختفاء: إعادة ظهور”، وثّقت الفنانة آية أبو غزالة بوسائط بصريّة وفنيّة متعدّدة هجرات عائلتها المتكرّرة بين مخيّمات اللجوء والسكن المؤقت، كواحدة من خمس فنّانات عربيّات شكّلن بأعمالهن معرض “في تتبّع الترحال والرحيل”، الذي انطلق، مساء أول من أمس، في دارة الفنون بالعاصمة الأردنية عمّان، تحت إشراف الفنان رائد إبراهيم، كجزء من برنامج “مشاريع في المختبر” الذي يركّز على دور الأرشيفات.
أبو غزالة، الأردنية من أصول فلسطينية، والمولودة في العام 1991، لم تعايش النكبة بطبيعة الحال، لكنها ترى أن النكبة مستمرة، وهو ما دفعها للبحث في أرشيف عائلتَي والدَيها.. “عثرتُ على ما يروي مشوار رحيلهم وترحالهم، وكان لافتاً ذلك التوافق في التجربة على المستوى المكاني، فأرشيف عائلة والدي، خاصة الفوتوغرافي منه، الجزء الأكبر منه في المخيّمات، خاصة ما بعد النكبة، في حين أن الأماكن تختلف في أرشيف عائلة والدتي، بل إن صوراً كانت تصل للعائلتين من أقاربهم المُهجّرين في العراق، ولبنان، والقدس، والكويت، وغيرها”.
استخدمت أبو غزالة قطعة قماشية رسمت عليها أشخاصاً استوحتهم من ألبوم الصور المرتبطة بنكبة وتهجير عائلتَي والدَيها، بشكل ضبابي يعبّر عن حالة التلاشي التدريجي بخسارة أصحاب الذاكرات الأولى.
وفي إطار عملها نفسه “اختفاء: إعادة ظهور”، تبرز منحوتات من وحي معالم شخصيّات عائلتها المهجرة، صنعتها من الطين، في محاولة لتثبيت حضور من لا تعرفهم من العائلة، لتبقى على تماسّ معهم، ومن خلالهم مع فلسطين وحكاياتها.
“في أرشيف عائلتي الموزع على عدّة منازل، لمحات من المخيم وشخصيّاته ممّن يستقر معظمهم الآن تحت التراب وقد اعتقدوا أنه مؤقت”.
وفي عملها الموسوم بـ”أيام لن تعود” حاولت الفنانة فلسطينية الأصل أرزاق أبو عيد، عبر شهادات عائلية، إعادة تصوّر الخط الروائي لرحلة فلسطينيي الكويت إبّان الاجتياح العراقي.
وكشفت أبو عيد لـ”الأيام”، أنها في عملها الفنّي هذا تتبعت حكاية والد زوجها نامق الحاج أسعد، وأصوله من بلدة جمّاعين قضاء نابلس، مشيرة إلى أنها، منذ جلسة التعارف الأولى على العائلة كوافدة جديدة قبل عامين، أطلعتها حماتها على ألبومات صور كثيرة لهم في الكويت، و”بشكلٍ موازٍ كنت ألاحظ أن ذكريات أيامهم في الكويت كانت صاحبة الحظوة الأكبر في لقاءات الصيف بينه وبين أشقائه المغتربين”.
واعتمدت أبو عيد، المقيمة في عمّان، الإطار الزمني في توثيق ونقل الصور وتحويلها إلى أعمال فنيّة، بدءاً من الحكاية المحورية لوالد زوجها المولود في العام 1946 بفلسطين، قبل أن يغادرها إلى القاهرة العام 1965 للدراسة، وكان يتنقل ذهاباً وإياباً في أول عامين عبر مطار قلنديا في القدس، بل إنه حجز للسفر إلى فلسطين في أيار العام 1967، لكنه لم يتمكن من ذلك، بسبب الحرب والاحتلال.
ثمّة صور قليلة في جمّاعين لوالد زوجي مع شقيقه ومع والده مختار القرية، وأخرى للعائلة، تتابع أبو عيد، فتوجّه إلى الكويت، ودرّس اللغة العربية بدءاً من مدارس منظمة التحرير الفلسطينية العام 1970 لأربع سنوات، ومن ثم في مدارس حكومية كويتية حتى العام 1991. تزوّج هناك، وأنجب غالبية أبنائه، لتشكل تلك العقود الذاكرة الأكبر له ولعائلته.
ومن يتتبع عمل أرزاق أبو عيد يكتشف منهجية واضحة، قبل أن يعلم أنها بالأساس مؤرشِفة وباحثة في التاريخ الشفهي الفلسطيني، لافتة إلى أنها، عبر أعمالها متعددة الأشكال الفنيّة والبصرية، “عكستُ، بشكل ما، مقولة شفيق الغبرا الأكاديمي والكاتب الكويتي من أصول فلسطينية: إن الشعوب المنكوبة لا تعرف الاستقرار”، فهي في حالة ترحال مستمر كما كان مع فلسطينيي الكويت.
وفي المعرض نفسه ذهبت الفنانة الفلسطينية السورية ماريا خرزم في “فينومينولوجيا السؤال”، وعبر عمل تركيبي سمعي بصري تفاعلي، يرصد تنوّع الأنماط باختلاف أفراد الأسرة الواحدة، بالاتكاء على مجموعة من تسجيلات الكاسيت عثرت عليها أواخر العام 2022، لمكالمات عبر الهواتف الأرضية لجدّها، في منازله التي تنقل فيها بين ثمانينيّات القرن الماضي حتى الألفية الثالثة: دمشق، غزة، رام الله، وعمّان، مشيرة لـ”الأيام” إلى أنه “بعد العثور على التسجيلات، صارت أصوات كل فرد في العائلة دليلي لمعرفة أدوارهم فيها على مدار عقود، من خلال تركيز انتباهي فقط على المقاطع الصوتية، إذ لا تعبيرات وجه، ولا لغة جسد، فقط خيارات صوتية واعية وغير واعية”.
وفي وقت تتبعت فيه الفنانة والباحثة الفلسطينية الأردنية، زينة الغول، خيوط رحلة جدّها في الكويت إلى عمّان في ثمانينيات القرن الماضي عبر أرشيفه الشخصي الكبير باعتباره كان هاوياً للتصوير، غاصت الفنانة المصرية، أماني عادل، في التاريخ البصري للأعراس في بلدها وتوثيقها منذ مطلع القرن الماضي.
المصدر – جريدة الأيام
رابط مختصر||https://palfcul.org/?p=6865