يوسف الشايب:
“وادي غزة” لرنا بطراوي وشريف سرحان، و”دليل المتوتر واللامتعمد من حب الأرض (مستقبلاً): فلسطين نموذجاً” لآلاء يونس، و”عبر الأثير” لدنيا جرّار، و”تجمّع” لروبيرتو سانتاغويدا، و”المستقبل كبناء يخبّئ العجائب” لداليا طه ومجد كيال.. خمسة مشاريع فنيّة شكلت معرض “عِرافات: فن تذكّر المستقبل” في مقر مؤسسة عبد المحسن القطان بمدينة رام الله، الذي افتتح، مساء أول من أمس، ويتواصل حتى حزيران القادم، كما تتنافس الأعمال المعروضة على جائزة مسابقة الفنّان الشاب (اليايا) 2020-2022.
وبعد غياب، تعود المسابقة لتحمل ثيمة بعينها، كانت شرارتها قصّة للكاتب الفلسطيني الراحل قبل عامين، رسمي أبو علي، شكلّت ثورة على الثورة، وكانت بمثابة تنبؤ لما نحن عليه الآن، كما كانت مصدر إلهام، قيّمة المعرض الكاتبة والناقدة عدنية شبلي.
شبلي أشارت إلى أن قصّة “قط مقصوص الشاربين اسمه ريّس” لرسمي أبو علي، كانت بمثابة محاولة تصحيح لـ”الثورة” في السياسة والفكر والثقافة، من خلال تحويل الانتباه إلى هوامش تلك الثورة التي أنكرها الثوريّون ورفضوا الاعتراف بها.
وجاء على لسانها في كُتيّب المعرض: تشير عملية نشر تلك القصة في مجلة الآداب اللبنانية العام 1977 إلى أعمال غير مرحّب بها في ثقافة الثورة الفلسطينية، حيث كان أبو علي قدّم القصّة بداية لمجلة “شؤون فلسطينية” ورئيس تحريرها محمود درويش، الذي أعرب عن إعجابه بالنص قائلاً، إنها واحدة من أروع عشر قصص قصيرة قرأها في حياته، إلا أنه لا يستطيع نشرها في مجلة سياسية جديّة.
ومما كتبته شبلي: يخيّم إرث أبو علي على حاضرنا (…) يتضح في يومنا هذا أن فلسطين باعتبارها فكرة تحرير تشكّلت على مدى عقود من النضال والمقاومة والخلق الفني على يد فلسطينيين وغير فلسطينيين، بحيث كانت موضوعاً لعملية تفكيك متواصلة، لذا هناك ضرورة لعملية إعادة تشكيل وإعادة بناء مسؤولة لتعريفات فلسطين والفلسطينيين في نضالاتهم وثوراتهم من جديد، باعتبارها موقعاً للاعتراض على الاضطهاد والقسر، وباعتبارها قاعدة لتخيل جديد للتكاتف يجتاز كل الحدود الوطنية والعرقية والجغرافية.
ويناقش المشروع الفني “وادي غزة” كيف أعلنت السلطة الفلسطينية في العام 1994 منطقة وادي غزة محمية طبيعية، وكيف بات في العقود الأخيرة مكبّاً للنفايات، ومصرفاً لستة عشر ألف متر مكعب من المياه العادمة، ومركزاً لاستيطان أنوع مختلفة من الحشرات والبكتيريا، لذا سعى هذا المشروع، إلى مخاطبة القدرات الإبداعية من أجل تأمل تحويل علاقة الإنسان بالطبيعة، لكون حال الوادي، اليوم، يشكل انعكاساً لحالة التشرذم والجفاف التي تعيشها الأرض الفلسطينية، على حد تعبير القائميْن على المشروع رنا البطراوي وشريف سرحان.
ويتناول المشروع الفني “دليل المتوتر واللامتعمد في حب الأرض” فلسطين كنموذج، كحاجة تتأرجح بين الحمل الزائد والكلل، فهي مفهوم يتشكل في الخيال، ووجهة وصول مؤجلة، ونموذج ثقافي نظري متداول وممول، والتزام متوقع يصحبه شعور بالخيانة تجاه الذين لا يدعمون القضية، وإرث ثقيل، وتجاوز لفكرة الجغرافيا والوحدة، في ضوء التوترات التي خلقتها علاقة بمكان مثل فلسطين في حياة الأشخاص، حسب صاحبة المشروع آلاء يونس.
ويرتكز “أثير” لدينا جرار على مجموعة مقطوعات موسيقية، تعكس تمثيلاً موسيقياً للروايات الفلسطينية المعاصرة من منظور نسوي مفكّك للاستعمار، وهو منظور تقاطعي وعابر للحدود، ويسعى إلى خلق بيئة مستقبلية تتداخل فيها طبقات صوتية متعددة في مشهد صوتي ذي تخصصات متنوعة.
أما “تجمّع” روبرتو سانتاغويدا فهو عمل تركيبي يتكئ في جزء منه على أفلام وثائقية تشاركية تدفع مجموعة شابّات للتساؤل حول فكرة المستقبل.. تستخدم المُشارِكات الأربع أجهزة تسجيل فيديو، سجلن بواسطتها شهادات حول أفكارهن والموضوعات التي تهمهنّ، بحيث تم دمج هذه التسجيلات في عمل يعرض على شاشات أربع بالتزامن، تختلط من خلالها الرسائل المعروضة.
ويقوم مشروع “المستقبل كبناء يخبّئ العجائب” لداليا طه ومجد كيّال، على مجابهة المستقبل بالسرد والرسم، عبر التحديث بالأسئلة والإمكانات والآمال التي تدفع إلى الحركة بل المعاندة، بحيث اقترح على كاتبات وكتّاب خمسة مواضيع شكلت “مساحات للبناء”، وهي: العلاقات الاجتماعية عبر بوابة “النميمة”، والثقافة كفعل حركي وجماعي عبر بوابة “المسرح”، والعنف كحامل للإمكانية الثورية والرجعية بالقدر نفسه عبر بوابة “البارودة”، والعدو/ الآخر الذي فقدنا القدرة على التفكير بأنفسنا دون المواجهة معه عبر بوابة “تل أبيب”، والمجهول الذي يُبشّر ويُنذر عبر بوابة “الليل”، علماً أن البوابات هنا تبدو مجازية للعبور حيث المساحات.
وكان محمود أبو هشهش، مدير برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطان، أشار في تصريحات لـ”الأيام”، إلى أن اسم المعرض “عِرافات هو جمع عِرافة أي فن تبصّر المستقبل، وهو مرتبط بمفهوم المسابقة في هذه الدورة، والقائم على محاولة تخيّل مستقبل فلسطين”، وذلك عبر تدخلات ومبادرات تتوافق مع هذه الثيمة، وهو ما يتأتى في سياق تخيّل نسخة جديدة من “اليايا”.
الرابط المختصر||https://palfcul.org/?p=4107