يوسف الشايب
“في إطار حرب الروايات، لطالما سعى الكيان الصهيوني إلى تزوير الحقائق في مجالات عدّة، من بينها تاريخ المسرح ليس في فلسطين فحسب بل على مستوى العالم العربي، فمعروف ومثبت أن مارون النقاش هو رائد المسرح العربي، حين قدّم مسرحية (البخيل) في العام 1847 ببيروت، إلا أن الصهيوني المتشدد صامويل موريه من الجامعة العربية برفقة فيليب ساغروف من جامعة مانشستر البريطانية، وفي العام 1996، عمدا إلى تزييف هذا التاريخ عبر كتابهما (الجهود اليهودية في المسرح العربي)، عبر الحديث عن نص مسرحي حول بغداد والحنين إليها مكتوب بيد إبراهام دانينوز اليهودي في الجزائر، باعتباره النص المؤسس للمسرح العربي وهذا كذب وافتراء.. لم يتركوا بلداً عربياً، أو في أغلبها إلا وعمدوا إلى نسب ريادة المسرح فيها إلى اليهود.. أثبتُ كذب هذه الرواية، التي تناقلها بعد المنظرّين العرب للأسف ودافعوا عنها، حين أثبت أن دانينوز ليس جزائرياً بل فرنسياً، وأنه ليس كاتباً مسرحياً بل واحد من جامعي المخطوطات العربية ليس أكثر”.
كان هذا شيء ممّا قاله د. سيد علي، أستاذ الأدب المسرحي بكلية الآداب في جامعة حلوان المصرية، وصاحب كتاب “المسرح في فلسطين قبل النكبة” الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، مؤخراً، وفي ندوة حول الموضوع ذاته، انتظمت ضمن فعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب في دورته الثانية عشرة، واختتم فعالياته مساء الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
وأضاف علي في ذات الإطار: “قبل عقود سبعة أو ثمانية، عمد الصهاينة إلى تزوير تاريخ المسرح في مصر، وذلك عبر ادعاء أن يعقوب صنّوع هو رائده وعنوانه الأول، ولكن عند البحث في تاريخ المسرح العربي عامّة وتاريخ المسرح المصري خاصة، لن نجد أي إشارة إليه إعلامية أو تأريخيه كرائد للمسرح المصري إلا بعد العام 1954، مع أنه بدأ مسرحه كما يدعي في مذكراته العام 1870”.
وفيما يتعلق بفلسطين، شدد على أن “الكيان الصهيوني كان ذكياً لجهة ترويج رواياته الكاذبة من جهة، ويمنع ترويج كافة الأدلة على الروايات الفلسطينية، لذا ابتعدتُ عن المقولات الشفهية واتجهت نحو التوثيق عبر الصحافة اليومية الفلسطينية والوثائق الأرشيفية، بحيث أقدّم أدلة موضوعية، وأقدّم أيضاً ما هو جديد في هذا الاتجاه”.
واستعرض علي شيء مما ورد في كتابه عن الفرق المسرحية بتنوّعاتها، وعن دور المقاهي كمساحة للعروض المسرحية، وخاصة قهوة أبو شاكوش في يافا، وعن دور المؤسسات المنتجة للمسرح أو المحتضنة للعروض، وكذلك دور المدارس الأجنبية في جلها، مع تركيزه على دور مدرسة “روضة المعارف الوطنية” في القدس، ليس في المسرح فحسب، بل على أكثر من صعيد في تاريخ فلسطين، لافتاً إلى أنه بصدد الانتهاء من كتاب خاص حولها، والفرق المستقلة، وغيرها، وشكلت محاور في النصف الأول من كتابه، في حين كان النصف الثاني منه حول زيارات الفرق المسرحية المصرية إلى فلسطين ما قبل النكبة.
ولفت إلى أن “فلسطين كانت بوابة العروض المسرحية خاصة والفنية عامة، من مصر على وجه الخصوص، فتبدأ منها في جولة على مدار أسبوع واثنين، ثم إلى لبنان، وسورية، والعراق، ومن ثم العودة إلى فلسطين، وتقديم جولة عروض جديدة بعد أشهر من تلك الأولى، فهي المركز المحوري والأساسي، وكانت الفرق تحقق من عروضها في فلسطين أرباحاً مجزية”.
من جانبه، أشار المخرج المسرحي الفلسطيني فتحي عبد الرحمن، إلى أن “أشكال الفرجة كانت سائدة في فلسطين قبل أن تعرف المسرح بصيغته الغربية المكتملة، كصندوق العجب والحكواتي وخيال الظل وغيرها، وكانت تنتشر على كامل الجغرافيا الفلسطينية ما قبل النكبة، وما قبل أن يبلور مارون النقاش وأبو خليل القباني مسرحاً متكامل العناصر في المنطقة العربية، منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في بلاد الشام، إبان الحكم العثماني”، لافتاً إلى أن سهولة تقديم عروض مسرحية من عدمه في فترة الحكم العثماني كانت تعتمد على مدى انفتاح الولاة ومرونتهم، ومن هنا، كانت البيئة القانونية للنشاطات المسرحية محكومة بالوالي أو المتصرف أو البوليس، ولهذا السبب كانت هجرة النقاش والقباني إلى مصر، باعتبارها أكثر انفتاحاً تبعاً لتحلل حكومة محمد علي باشا من سطوة السلطان العثماني.
ولفت عبد الرحمن، في مداخلته بالندوة ذاتها، إلى أن “فلسطين تميّزت عن غيرها بكثرة الإرساليّات التبشيرية والمدارس الأجنبية، حتى أن هناك بعض الإحصاءات تشير إلى أن 1300 مدرسة أجنبية أغلبها إنكليزية وفرنسية كانت في فلسطين ما قبل النكبة، وكان هدفها نشر ثقافة ولغة بلدانها، كما المدارس الروسية والإيطالية وغيرها، وفي إطار ذلك كانت تقدّم مسرحيات، خاصة في نهاية العام الدراسي، بعضها لكتّاب مهميّن مثل كورنيه أو راسين أو شكسبير، أو من كتابة المعلمين في هذه المدارس، والتي بدورها نشرت البذرة الأولى للمسرح في فلسطين بشكله الغربيّ، وحين صدر الدستور العثماني في العام 1908 نشأت العديد من الجمعيات الثقافية والفنية، والتي ارتفع عددها في حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين، وكان تقديم مسرحيات في مناسبات مختلفة جزءا من اهتمامها، ومن بين أهداف الفنانين في الفرق المسرحية التي تتبع هذه الجمعيات، جمع تبرعات لأهداف إنسانية”.
وشدد عبد الرحمن: لم يكن لدينا في فلسطين رائد مسرح كما مارون النقاش وأبو خليل القباني، لكن كان لدينا شغوفون عدّة بالمسرح.. وارتفع منسوب الشغف هذا، عندما بدأت الفرق المصرية، منذ عشرينيات القرن الماضي، تزور فلسطين، وتقدّم عروضها في يافا وحيفا والقدس، وبعضها في الناصرة ونابلس.. الشكل المتقدم للعرض المسرحي المصري دفع فرقاً فلسطينية لمحاكاة أعمال الفرق المصرية، خاصة أن أغلب متبعي طريقة الفن في فلسطين جلّهم من الهواة، لافتاً إلى أن نشأة الصحافة في فلسطين بوقت مبكر، وترجمة العديد من النصوص الأدبية والمسرحية العالمية، ساهمتا في وجود نصوص اتكأت عليها العروض المسرحية، وكانت غالبيتها تعرض في المدارس، لاسيما الأجنبية منها.
وكان شمس الدين عصيدة، الأكاديمي المتخصص في النقد المسرحي، مُقدّم الندوة ومديرها، لفت إلى أن ما جاء في كتاب د. سيد علي، وما ورد على لسان المخرج المسرحي فتحي عبد الرحمن، يفنّد تلك الادعاءات من نقاد وكتّاب، العديد من بينهم عرب، بأنه لم يكن ثمة مسرح فلسطيني أو مسرح في فلسطين ما قبل نكبة العام 1948، مقدماً مداخلة شكلت إضافة إلى ما قدّمه كل من علي وعبد الرحمن.
المصدر: الأيام
رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=5635