23 March, 2025

شيء عن كتاب “الفلسطيني في الرواية العربيّة” لعادل الأسطة

 يوسف الشايب:

خلص د. عادل الأسطة في كتابه “الفلسطيني في الرواية العربية”، والصادر حديثاً عن “الرقمية” للنشر والتوزيع الإلكتروني، إلى أن “الكتابة عن الفلسطيني باعتباره ضحية الصهيونية” شغلت “حيزاً لا بأس به في بعض الروايات” العربية، وأنه “في أثناء الكتابة تحت هذه اللازمة كتب الكتّاب عن اليهود باعتبارهم ضحية للنازية، وأبدوا دهشتهم من تحوّل الضحية إلى جلاد، وهذه اللازمة ظهرت في فترة مبكرة”، ومن بينهم غسان كنفاني، وهو ما بدا واضحاً في بعض روايات إلياس خوري كأولاد الغيتو في جزأيها الأول والثاني، مشيراً إلى أن “الكتابة عن الفلسطيني لم تكن دائماً مقترنة بالكتابة عن اليهود”، فثمة روايات كتبت عن الطرفين، الفلسطيني واليهودي، وثمة روايات صوّرت الفلسطيني وخلت من الكتابة عن اليهودي”.
وأشار الأسطة أيضاً إلى أن الروائيين العرب لم يكتبوا “عن جيل اللجوء وحسب، بل أخذوا يكتبون عن الجيل الفلسطيني الذي ولد في المنفى، ليثيروا من خلاله أسئلة عمّا تعنيه فلسطين له، وربما ليمهدوا إلى ضرورة عدم العيش في الماضي، بل وإلى ضرورة تقبّل الواقع والاعتراف بالدولة العبرية على أنها صارت أمراً واقعاً”.
ودرس الأسطة في كتابه روايات بعينها، ففي الجزء الأول “فلسطين في الرواية الفلسطينية قبل العام 1949″، درس روايات “مذكرات دجاجة” لإسحق موسى الحسيني، و”الحياة بعد الموت” لإسكندر الخوري البيتجالي، و”على سكة الحجاز” لجمال الحسيني، و”الوارث” لخليل بيدس، و”في السرير” لمحمد العدناني.
أما في القسم الثاني “الفلسطيني في الرواية العربية”، فدرس روايات: “ذاكرة الجسد”، و”فوضى الحواس”، و”عابر سرير” للجزائرية أحلام مستغانمي، وروايات: “الوجوه البيضاء”، و”مملكة الغرباء”، و”باب الشمس” و”كأنها نائمة” و”سينالكول”، و”أولاد الغيتو: اسمى آدم”، و”أولاد الغيتو: نجمة البحر” للبناني إلياس خوري، علاوة على روايات للأردني أمجد ناصر، والكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، والعراقية إنعام كجه جي، واللبنانية جنى الحسن، والتونسي الحبيب السالمي، والسوري حيدر حيدر، والمصرية رضوى عاشور، والسعودية زينب حفني، والمصري عز الدين شكري فشير، والعراقي عواد علي، واللبناني فواز حدّاد، والأردنية الفلسطينية ليلى الأطرش، والمصري ناصر عراق، والسوري هوشنك أوسي، والجزائري واسيني الأعرج، والسوري ياسين رفاعية، والعراقي علي بدر.
وتحدث الأسطة عن “روايات فلسطينية ظهرت فيها صورة شبيهة للصورة التي تقدمها الروايات المدروسة، والقصد من ذلك واضح، وهو أن الصورة المشرقة للفلسطيني في الرواية العربية، أو الصورة المعتمة والمنفرة له، لهما حضور في الرواية التي كتبها الفلسطينيون أنفسهم”.
ووجد أن “درجة اقتراب الكتاب العرب من الفلسطينيين انعكست بدورها على طبيعة كتابتهم وتصوّرهم، وتبدو درجة الاقتراب أوضح ما تكون لدى إلياس خوري ورضوى عاشور”.
كما خلص الأسطة إلى أن صورة الفلسطيني ظلت حتى نهاية القرن العشرين، إيجابية بشكل عام، و”ظلت، في المقابل، صورة اليهود سلبية، ومع توقيع اتفاقية أوسلو في 1993 بدأ الأمر يختلف، إذ التفت كتّاب عرب عديدون إلى اليهود، وبدؤوا يكتبون عنهم ويبرزون لهم صورة إيجابية، وأنجزت في السنوات الأخيرة كتب ودراسات عديدة تناولت أعمال هؤلاء الكتّاب، وخصصت بعض المجلات العربية في الأعوام الثلاثة الأخيرة ملفات خاصة للموضوع، فيما صارت صورة الفلسطيني تتعدد وتتنوع، ولم تعد الصورة الإيجابية غالباً هي الصورة الوحيدة له، بل ولم يعد الموضوع الفلسطيني يؤرق كثيراً بعض من تناوله”.
وشدّد الأسطة على أن صورة الفلسطيني “لم تخفت” في رواية القرن الحادي والعشرين، بل ظهرت بقوّة، “لكن هذه الرواية صارت ترصد مآل هذا الفلسطيني وتحولاته، من فدائي مقاتل ومناضل إلى بقايا فدائي يعيش على ماضيه في تبرير حاضره البائس والمزري”.
ولفت إلى أن “بعض الروائيين” لم يكتبوا “عن فلسطينيين فدائيين وحسب، بل صار يتناول شخصيات فلسطينية أخرى، غالباً ما كانت شخصيات مثقفة حقيقية مشهورة ومعروفة، مثل غسان كنفاني، وإدوارد سعيد، ومحمود درويش، وجبرا إبراهيم جبرا، وكانت الصورة التي ترسم لهؤلاء إيجابية، وهي الصورة السائدة لهم والمعروفة عنهم”، و”صار بعض الكتاب يكتبون عن شخصيات فلسطينية تعمل في الصحافة وتعيش في باريس” أو عن “فلسطيني انتهازي تاجر مقامر يشارك بعض اليهود في مشاريع تجارية، ولا يشغله الهم العام إطلاقاً، علماً أنه لاجئ طرد في طفولته من أرضه”.
ومع ذلك، يؤكد الأسطة، أن “صورة الفلسطيني الجميل النوراني” لم تختفِ، فعدا “الشخصيات الحقيقية”، كتب “بعض الروائيين عن فلسطينيين نورانيين أسهموا في بناء الدول التي حصلوا على جنسيّاتها، ليس في الدول العربية وحسب، بل وفي دول أميركا اللاتينية”.
ولم يكن الأسطة حاسماً، حين قال “إن لم يخب حدسي” – وهي عبارة ظنيّة – “فإن الروائيين العرب كتبوا عن الفلسطينيين وهم قريبون منهم، وكتبوا عنهم متتبعين حياتهم في أزمنة مختلفة، زمن صعود الثورة الفلسطينية وزمن غياب شمسها، زمن خنادق الفدائيين وزمن الابتعاد عنها والإقامة في المكاتب والسفارات في دول العالم وبيوت اللجوء في أوروبا، وتحوّل الفدائي من مقاتل إلى مقاتل قديم ورجل مكتب أو مقهى أو بار، ومن حالم بتحرير فلسطين إلى طامح بوظيفة وبيت مستقر أو لاجئ سياسي في أميركا أو أوروبا”، مدللاً على هذه المضامين بما ورد في روايات أصحابها المدروسة.
عنوان الكتاب أيضاً فيه تعميم، فكان الأدق ألا يكون “الفلسطيني في الرواية العربية”، إنما لعله “الفلسطيني” أو “صورة الفلسطيني” في “روايات عربية”، وهنا يستقيم العنوان أكثر مع المضمون باعتباره لا يغطي كافة الروايات العربية التي كان فلسطينيون شخصيات في منتجهم الروائي، بصرف النظر إذا ما كانت هذه الشخصيات محورية أم هامشية أم بين البينين.
كما أن تخصيص فصل للحديث عن “فلسطين في الرواية الفلسطينية قبل العام 1948″، لا يستقيم أيضاً وعنوان الكتاب.. قد يقول قائل إن الرواية الفلسطينية هي في نهاية المطاف رواية عربية، وهذا سليم، لكن الكاتب هنا، كان حاسماً في الفصل بينهما في جزأين، وكذلك في خلاصة حديثه عن مضمون كتابه، الذي أراه وصفياً أكثر منه نقدياً وتحليلياً، خاصة في تناوله للروايات ومضامينها.
كنت أمنّي النفس، وأنا أقرأ عن فلسطين في بعض روايات الفلسطينيين ما قبل النكبة، أن أطلع على جديد يتعلق بفلسطين وقضيتها فيما قبل ضياع الجزء الأكبر من جغرافيتها العام 1948، في روايات الكتّاب العرب نهايات القرن التاسع عشر، وفي العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، ولعل ذلك يكون مجال بحث لدراسة تقدّم جديداً، وربما غير مطروق، في هذا المجال، وكم كنت أفضّل، كقارئ، أن يكون للشق البحثي والتأريخي كما النقدي لا الانطباعي حضوره الأكبر في الكتاب ليكون مرجعاً حقيقياً في مجاله، ولكن تكوين الكتاب كمقالات في جلها أو كلها ربما منشورة سلفاً، لا يتفق مع ما كنت أريده، ومع ما أوحاه لي به عنوان الكتاب.
مع ذلك فإن الكتاب قد يشكل متكئاً ما للباحثين والدارسين والمهتمين في هذه الجزئية المتعلقة بصورة الفلسطيني في روايات عربية بعينها، لا في الرواية العربية كلها أو جلها، ما قد يشكل نقطة في اتجاه إنجاز دراسات معمقة وتفصيلية، وقد تكون في أجزاء ربما، لتستحق أن تحمل عنوان “الفلسطيني في الرواية العربية” أو “صورة الفلسطيني في الرواية العربية”.

المصدر: الأيام 

رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=5201

Font Resize