9 February, 2025

شيء عن المسرحيّات الأولى لـ”الحكواتي”

يوسف الشايب:

أهدى الفنان المسرحي إدوار معلم، أحد مؤسسي مسرح عشتار، ومن قبله عديد المسارح بينها “الحكواتي”، كتابه الموسوم بـ”فرقة مسرح الحكواتي الفلسطيني”، إلى “روح المخرج والمُلهم فرانسوا أبو سالم، أحد مؤسسي فرقة الحكواتي ومخرج أعمالها، وإلى كل من عمل في الفرقة منذ تأسيسها في العام 1977 من فنانين مسرحيين وهواة، فكانت لهم إسهاماتهم الفردية والجماعية في تطوير تقنية الارتجال والعمل الجماعي في المسرح، من أجل الوصول إلى مسرح له روحه وإيقاعاته ومضمونه وشكله الخاص، وشخصيته المميزة فلسطينياً وعربياً وعالمياً.

يوثق الكتاب نصوصاً وصوراً من المسرحيات الأولى للفرقة، وتحديداً في الفترة بين العامين 1978 و1985، وأولها: مسرحية “بِسم الأب والأم والابن”، وهي تأليف جماعي لفرقة الحكواتي، ورؤية وإخراج فرانسوا أبو سالم، وكان إطلاقها في المدرسة العمرية بالقدس العام 1978، وعرضت في عامين قرابة الأربعين عرضاً في فلسطين وتونس وأوروبا، وشارك في تجسيدها: إدوار معلم، وعدنان طرابشة، وجاكي لوبيك، وطلال حمّاد، وجميل عيد، وفرانسوا أبو سالم، وشارك أيضاً بالعروض محمد محاميد.

وكانت قاعة جمعية الشبّان المسيحية في القدس مسرحاً لحفل إطلاق مسرحية “محجوب محجوب” في العام 1980، وهي تأليف جماعي ورؤية فرانسوا أبو سالم أيضاً، بمشاركة كل من: عدنان طرابشة، وإدوار معلم، ومحمد محاميد، وجاكي لوبيك، وإبراهيم خلايلة، وداود كتاب، وواصف دندنيس، وشارك أيضاً في العروض: راضي شحادة، وماجد الكرد، وهي المسرحية التي عرضت قرابة 120 عرضاً بالعربية والإنكليزية والفرنسية في فلسطين وأوروبا في العامين 1980 و1981.

وعُرضت مسرحية “جليلي يا علي” للمرّة الأولى في قاعة المدرسة الإبراهيمية بالقدس العام 1983، فيما تجولت في قرابة السبعين عرضاً في فلسطين وأوروبا، عام إنتاجها والعام الذي يليه، وهي من تمثيل: إدوار معلم، وراضي شحادة، وعدنان طرابشة، وامتياز دياب، وإبراهيم خلايلة، وجاكي لوبيك، وشارك أيضاً في العروض كل من: إيمان عون، ومنيرة شحادة، وعامر خليل، وهي تأليف جماعي للفرقة ورؤية وإخراج فرانسوا أبو سالم أيضاً.

وتعتمد مسرحية “جليلي يا علي” لغة الجسد المرافقة للموسيقى بشكل كبير، والتي تم انتقاؤها خصيصاً لهذا العمل، فالموسيقى في بعض المشاهد هي التي تقوم بتحريك الممثلين.

المسرحية مؤلفة من مشاهد عدّة كان يؤديها ستة ممثلين، يحدث بعضها أمام الستارة الأمامية لمنصة التمثيل الرئيسة، والتي يتقاسم أدوارها بالأساس “عريف الحفل”، و”علي الجليلي”، و”حسنين” مساعد عريف الحفل.. أما المشاهد الخلفية، التي تقدّم على المنصة الرئيسة، فيشارك فيها جميع الممثلين.

كل مشهد مسرحي في “جليلي يا علي” له ديكوراته وأكسسواراته وستائره الخاصة به، والتي يتمّ تحضيرها أثناء الانتقال بين المشاهد الأمامية والمشاهد الخلفية. حركات الممثلين أحياناً في بعض المشاهد مُضخّمة، كذلك الأمر بخصوص “الماكياج”، فهو “ماكياج” غير تقليدي.

من أجل تسهيل شرح حركة الممثلين في المسرحية ومتابعتها على خشبة المسرح، تمّ اعتماد الخروج والدخول باستخدام مصطلح: “يسار المسرح” أي “يمين الجمهور”، و”يمين المسرح” أي “يسار الجمهور”. منطقة التمثيل الرئيسة هي بعمق سبعة أمتار وعرض ثمانية أمتار على الأقل، وهنالك كواليس من جانبَي المسرح لخروج ودخول الممثلين، مع إمكانية انتقال الممثلين من المنصة الأمامية إلى المنصة الرئيسة الخلفية بسرعة.. أمّا منصة التمثيل الأمامية فلا يزيد عمقها على متر ونصف المتر.

وتكتسب مسرحية “قصة العين والسّن” خصوصيتها من كون عرضها الافتتاحي كان في مسرح النزهة الحكواتي العام 1985، وهو المقر الحالي للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، وقدّمت بالعربية والإنكليزية في فلسطين وأوروبا قرابة الثمانين مرّة في العامين 1985 و1986، وهي كسابقاتها تأليف جماعي ورؤية وإخراج فرانسوا أبو سالم، بينما شارك في تمثيلها كلّ من: جاكي لوبيك، وراضي شحادة، وهيام عباس، وإدوار معلم، وإيمان عون، وإبراهيم خلايلة، وعامر خليل، وحسام جويلس.

ومما كتبه د. سامر الصابر في مقدمة الكتاب: بعد عقود من انتهائها رسمياً لا تزال فرقة الحكواتي ذات أهمية ونفوذ لا جدال فيه. المكان الذي يعرف اليوم بالمسرح الوطني الفلسطيني يقدّس في مدينة ليس فيها نقص في المقدسات. من المستحيل فهم المسرح الفلسطيني اليوم وتأثيره على العالم دون البحث عن فرقة الحكواتي والتعرف على أصولها، فعلى الرغم من أثرهم على الأرشيف والذخيرة والمسرحية، إلا أن السجل التاريخي لا يزال مغموراً في بعض التفاصيل: متى بدأ الحكواتي حقاً، ومتى انطلقت هذه الأسطورة؟ والأهم من ذلك: من هم الحكواتية؟

“هل بدأت القصة العام 1970 عندما التقى فرانسوا غاسبار بمجموعة من الشباب في رام الله، وبعد ذلك شكلت تلك المجموعة فرقة بلالين المسرحية؟ هل كان ذلك عندما طلب من فرانسوا ترك فرقة صندوق العجب العام 1976 خلال مسرحية “لما انجينا”؟ أم ربما كانت البداية الحقيقية للحكواتي عندما دعا مهرجان نانسي الفرنسي فرانسوا أبو سالم لتقديم المسرحية التي أصبحت فيما بعد “بِسم الأب والأم والابن”؟ أم كان ذلك عندما دعت مجموعة من الطلاب الفلسطينيين في الجامعة العبرية، منهم عدنان طرابشة، وإدوار معلم، ومحمد محاميد، فرانسوا، وجاكي، لإنتاج مسرحية سياسية راديكالية في نهاية العام الدراسي؟ أم ربما كانت البداية عندما دعا فرانسوا هؤلاء الطلاب للعمل معه في مسرحية “بِسم الأب والأم والابن”؟”.

“فرانسوا أبو سالم هو المؤسس والمخرج بلا منازع، وهو الذي بدأ هذا المشوار.. المشاركون في كل إنتاج هم المبدعون الذي خلقوا القصص والمواد الأساسية في كل مسرحية: جاكي لوبيك كانت المجتهدة التي استطاعت تجنيد الأموال من الخارج، هي المرتجلة الجريئة وصاحبة تصميميات البوسترات والأزياء، إدوار معلم كان عقلاً منظماً وأمين الصندوق الصادق وممثلاً جسدياً مذهلاً. كان عدنان طرابشة مبدعاً رائعاً لشخصيات أبناء البلد وممثلاً أدائياً صامتاً ومتميزاً، وكان راضي شحادة كاتباً كوميدياً رائعاً وممثلاً ارتجالياً فريداً، فيما كان إبراهيم خلايلة مسوّقاً ذكياً واسع الحيلة رغم قلة المصادر، وهناك آخرون: محمد محاميد المثقف، وإيمان عون الشابة الصاعدة، وعامر خليل، ومنيرة شحادة، وداود كتاب الصحافي النجم”.

وواصل الصابر طرح التساؤلات: “هل انتهت الحكواتي عندما بدأ راضي وإبراهيم في إنتاج أعمالهما الخاصة في مسرح النزهة الحكواتي؟ هل كان ذلك عندما أنهي فرانسوا وجاكي علاقتهما الشخصية؟ أم كان ذلك عندما اختار إدوار أن يترك مسرحية عمر الخيام العام 1990، ولم يعد الحكواتي بعد ذلك؟ قد يكون تحديد البداية أو النهاية مهمة مستحيلة في أسطورة الحكواتي، ولكن الحقيقية الواضحة أن الحكواتي ظاهرة تاريخية مسرحية عالمية، تستحق البحث والفضول والحب والفخر، لم ولن تتكرر. الحديث عن فرقة الحكواتي التي كانت بمثابة الفرقة الوطنية في حينه، هو حوار مع المسرح في فلسطين والوطن العربي والعالم بأجمعه”.

وكشفت جاكي لوبيك في مقدمة ثانية للكتاب أن “نصوص هذه الأعمال لم تُدوّن كاملة، إلى الآن. تم جمع بعضها من بعض الأشرطة المصوّرة والتسجيلات الصوتية لارتجالات الممثلين التي كان يدوّنها إدوار معلم في حينه، وبعضها كُتب بمساعدة فرانسوا أثناء المراجعات، وبما أن هذه النصوص هي الوحيدة الموجودة، فالسؤال حول من كتبها يبقى مشروعاً”.

ولفتت إلى أن “فرانسوا كان متقدماً خطوة باستمرار عمّا يحدث على أرض الواقع. كانت لديه الحنكة في تكهّن مستقبل الواقع الفلسطيني بخيبة أمله المؤلمة والمضحكة، والمشحونة بالثورة التي لم تأتِ. كانت لديه مواضيعه وشخوصه وأدواته المتكررة في كافة أعماله، على سبيل المثال: الصحف والأخبار، خصوصاً أخبار التلفزيون الإسرائيلي، والمخاتير (رؤساء الجماهير المحلية) كثيري الكلام قليلي الفعل، وأشباه المثقفين الذين لا يطبّقون ما يقولون، والنساء الصامتات، ورفضه للأفكار النمطيّة والجامدة كالدين والعادات والتقاليد، وتفاهة العنف، كلها كانت مادة خصبة له. لقد كان احتلال فلسطين، وردّ الفعل العالمي على ذلك، السبب الرئيس الذي جعله يُقدِم على هذه الأعمال المسرحية”.

وتختم: كنّا جميعاً نتدرب ست ساعات يومياً، كنّا نتعلم كيف نكون ممثلين وصنّاع مسرح. درسنا تقنيّات الصوت والحركة، والإيقاع، والتوازن، والحركات البهلوانية، واليوغا، وتخصّصنا في فن الارتجال من أجل إغناء الأعمال المسرحية بما يلزمها لتتطور وتعيش. وكان فرانسوا يراقبنا، يسألنا، يحفزنا، يعيد ترتيبنا، ويطلب منا الإعادة مراراً وتكراراً حتى يقتنع أن الناتج يشكّل المادة المُثلى للعمل. لم تكن أحجية، كانت المواهب والجهود المتضافرة، وحبّ المهنة ما كتب هذه المسرحيات. كان الفريق الأمثل في الوقت الأمثل.. أو ليس هذا هو الحال دائماً!”.

المصدر: جريدة الأيام 

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=5080

Font Resize