9 October, 2024

“سأخون وطني”.. الماغوط مُمسرَحاً برؤية شبابيّة فلسطينية

يوسف الشايب:

قدّم طلبة مسرح عشتار، عرضاً مميزاً جمع بين خفة ظل الأداء، وعمق الطرح – رغم قليل من الشعاراتية الفائضة – والذكاء في التنويع بين فنون الأداء المسرحية والراقصة، عن رائعة الكاتب السوري القدير محمد الماغوط “سأخون وطني”، برؤية شبابيّة فلسطينية من إخراج خليل البطران، الذي تشارك وتامر طافش إعداد النص والدراماتورجي.
ودشّن العمل فعاليات مهرجان عشتار الدولي لمسرح الشباب في نسخته السادسة للعام 2022، في المسرح البلدي بدار بلدية رام الله.
وأبدعت الممثلات والممثلون الشباب: ميسم يعقوب، ورند أبو ديّة، وحلا صليبي، وبانا العارضة، ومحمد حواش، وهمام ولويل، وندى الخواجا، وتيمة شعيبي، لدرجة انتزاع إعجاب الحضور، تصفيقاً وقهقهة وتفاعلاً كبيراً.
وبدأ العرض بتنويع أدائي وصوتي على أغنية الفنان اللبناني زياد الرحباني “بصراحة”، قبل التطرق بـ”صراحة” بل وبـ”جرأة” لإشكالات الوطن، وهو هنا فلسطين بالدرجة الأولى، والدول الناطقة بالعربية بالمجمل، منذ احتلال العصابات الصهيونية لها في العام 1948، وحتى يومنا هذا، متطرقين إلى التحولات في الحالة الفلسطينية بين مقاومة سلمية وتفاوض يتواصل منذ عقود، بينما تستعر حملات التهويد والاستيطان على الأرض الفلسطينية.
ولم يغفل فريق المسرحية الحديث، بطريقة غير تقليدية، التطرق إلى قضايا من قبيل الانقسام، والفساد، والتغوّل الأمني، لتبقى الحريّة هي ثيمة العمل المحورية، باعتبارها المكون الرئيس للإبداع، والمكون الرئيس للتحرر أيضاً، متطرقين لعديد القضايا التي تهم الشباب الفلسطيني خاصة، والفلسطينيين بكامل فئاتهم العمرية وشرائحهم الاجتماعية عامة، ومنها ما يلامس قضايا ذات طابع إنساني.
وحضرت أغنيات تعبّر عن الحالة التي يجسدها طلاب مسرح عشتار على الخشبة، منها أغنية “مبسوطة” لنجمة تسعينيات القرن الماضي، المصرية سيمون، والتي تعبر عن حالة صراع بين التوهان والمعرفة شبه التامة.
وكان ثمة حضور لافت على مستوى الديكور الذي نفذه وأعد تقنيّاته محمد علي، وعلى مستوى الملابس لربى طالب، أضاف للعرض، فكان عرضاً مُبشّراً بأن ثمة جيلاً فلسطينياً مبدعاً قادراً على تقديم ما هو جيّد مسرحياً في قادم الأيام، إذا ما توفر النص والإمكانات.
وبدت رسالة العرض واضحة في تقديمه من قبل عريفي الحفل، وهو ما ورد في كتيّب المهرجان، بالتأكيد على أن “الخيانة هنا مجاز وليست حرفياً.. إننا في هذا العرض نشارك الكاتب محمد الماغوط خيانته المجازية للوطن.. إننا نريد وطناً مختلفاً عكس الذي نعيشه في الوطن العربي.. نريد وطننا نحن، لا وطن الأسياد والطغاة”.
وكان المهرجان انطلق بكلمة لمديرته الفنانة إيمان عون، جاء فيها: يطل علينا مهرجان عشتار الدولي السادس لمسرح الشباب بحلته المتجددة دائماً، ليؤكد لنا أننا، ورغم كل الصعاب والتحديات التي تواجه الوطن والقطاع الثقافي، فإنا ماضون قدماً، نزرع الثمر في نفوس طلبتنا، ونحفزهم على المشاكسة والسؤال، وندعوهم لاستنباط المعنى، ونستدرجهم إلى الحلم، ليصبحوا روح الوطن الحرّ ونبضه العالي.
وأضافت: لن يتمكن أحد من مصادرة أفكارنا، ومقولاتنا، وآمالنا، وأحلامنا.. “هبّة فن”، وهو شعار هذه الدورة من المهرجان، هي هبّة كل الفنانين أصحاب المواقف الوطنية الثابتة، والرؤى بعيدة المدى، والتساؤلات الشائكة حول الحريّة والتحرر.
واستذكر صلاح هنيّة، نائب رئيس بلدية رام الله، الجهة الشريكة إستراتيجياً لـ “عشتار” في مهرجانها هذا وعديد فعاليّاتها، في كلمته بحفل الافتتاح، حكاية تعود إلى منتصف سبيعينات القرن الماضي، حين كان المسرح البلدي غير مأهول، لكن مجموعة من شباب سريّة رام الله الأولى أصروا على تقديم عرض مسرحي فني، وبالفعل تم تقديم مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” للفنان السوري القدير سعد الله ونوس، ومن إخراج الفنان وليد عبد السلام.. “خضنا يومها تحدّي المكان، وكان سندنا، وقتها، المجلس البلدي برئاسة المرحوم كريم خلف، الذي وافق على الفكرة، وكان يومياً يأتي ليطمئن على أن الأمور تسير باتجاه نجاح التجربة”، لافتاً إلى أن المهرجان بدورته السادسة ينطلق في ذات المسرح العامر والمهيّأ بإدارة المسرحيّين والمثقفين والمفكرين وغيرهم، مشدداً على أهمية ما يقدمه مسرح عشتار عبر مهرجانه هذا وجلّ نشاطاته، مؤكداً استمرار بلدية رام الله في المساهمة بالحياة الثقافية، عبر الشراكات مع المؤسسات الفاعلة من جهة، واعتبار البنية التحتية الخاصة بالبلدية رافعة أساسية من روافع المشهد الثقافي والحركة الثقافية من جهة أخرى.

المصدر: الأيام 

رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=4772

Font Resize