13 April, 2025

“رحلة يوسف” قصة للكاتب نضال الخليل

قصة “رحلة يوسف” للكاتب نضال الخليل، تلامس ألم الهجرة والفقدان، وتسلط الضوء على التحديات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في رحلتهم نحو البحث عن الأمان والاستقرار، كما تبرز أهمية مشروع “حروف اللجوء” الذي أطلقته مجموعة العمل وبيت فلسطين للثقافة، الذي يهدف إلى توثيق تجارب اللاجئين الفلسطينيين.

رحلة يوسف

نضال الخليل

غبار البارود العالق على ياقة القميص صار حجر قبر أحمله على كتفي من أول مسافة الهرب

عامان والمسافة مازلت عالقة على الخطوة الأولى وأنا مازلت ذلك الحي الذي يحمل قبره على ياقة القميص

صار قميص يوسف في نشرات أخبارهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي

  • الذئب أكل يوسف يا أبي

جملة كتبت على شاهدة القبر الذي أحمله.. هي براءة الآخرين من قتلنا

تذكرين كنا هناك نحلم ونضحك ونرتب النهارات على أرقام التاريخ الوقت كان بطعم التنفس

تركنا كل شيء وحملتنا غيوم البارود على جياد الخوف الى هناك أو هنا وما زلنا نرتطم بأحلامنا فقاعات يثقبها هواء المكان هنا ولا تصل

آ تعلمين سأخيط من ملح البحر زوقاً يكفي لأجسادكم سأغني للأمواج لتكون هادئة … لا تخافي سنصل هناك تركيا وبعدها السويد سنلتقي مرة أخرى بإخوتنا والأهل والرفاق لم يبق لنا الكثير هنا حتى وجوهنا بدأت تتلاشى على جدار المرآة

عامان يا سماح ونحن عالقون في هذا المكان

العمل كابوس

ولن اأبق عامل في كراج السيارات الإشارات التي أطلقها بحركة اليدين لا تكفي لأرسم لأولادنا خارطة طريق

وصاحب المركز التجاري تشعرين أن وجهه قطعة لحم بيضاء مترهلة على عظمة انفه كأنها مؤخرة خاروف عجوز

هذا الوجه المشوه لا يعرف إلا الصراخ والتهديد

لهذا كله علينا ان نتعهد مع الجن والانس لنخرج من هذه البلاد

تمسك سماح ركوة القهوة بعدما انتهت من الإصغاء لهذا الخطاب اليومي المتكرر من أكثر من عام وتدخل المطبخ

  • اتصل بابو رمزي لتسأل عن الباخرة هل وصلت للميناء
  • اتصلت ولم يجب
  • حاول بعد قليل

يجمع اغراضه المبعثرة عن الأرض ويحشرها في جيوبه

  • سأذهب الى الكراج لا اريد التأخر

اغلق باب بيته ليدخل متاهة الحافلات والازدحام الممزوج برائحة التعرق متجهاً الى الكراج              وفي الحافلة يدخل الذاكرة

ليسمع صوت أبو محمد بائع الحليب وهو يجر دراجته القديمة والتي علق عليها وعاءان متوازيان بشكلهم الاسطواني يصدح كالمؤذن متغزلاً بالحليب

ذلك الصوت من مفاتيح النهار يحشره أبو محمد من باب الصوت

ام عمر المرأة الستينية والتي لا تنام على فوضى الغبار ترش الماء على وجه الإسفلت بالحارة لتغسله من عتم الليلة الفائتة

وآخرون يملؤون السكون ايقاعاً

هناك بيتنا

يحاول الدخول بالمشهد لكن أصوات السيارات تعيده الى جغرافية الكراج

يبدأ بتحريك يديه لفتح الجهات لترتيب السيارات بشكل هندسي بين ارصفة الكراج ووجهه مازال عالقاً في الذكرى

يحدث نفسه

  • اليوم يجب أن انتهي من كذب أبو رمزي لن ابق عالقاً هنا اشعر انني سأتحول الى إشارة مرور

قضى يومه بعقارب الوقت المثقلة بالتعب والحلم

اتصل بزوجته ليخبرها انه سيتأخر ليلتقي بابو رمزي بالمقهى

أرخت سماح راسها الى الجدار معلقاً عيناها بسقف الغرفة لتبدأ الخيالات بالرقص بين المسافة بين عينيها وسقف الغرفة كأنها كرة زجاجية سحرية لترى نفسها ببذلتها المدرسية على باب ثانوية اليرموك ضمن جوقة فتيات ضاحكات

  • لندخل يا سماح
  • انا جائعة سأحضر فطيرة

الجموع بدأت تتلاشى وهي راكضة صوب باب المدرسة بعدما أحضرت ما تريد من الفطائر

بدأت المساحة تكبر بين خطواتها الراكضة وباب المدرسة سقطت من يدها الفطائر واغلق باب المدرسة وهي تصرخ

  • انتظروني

صرخت وهي ترفع يدها الى سقف الغرفة أدركت أنه حلم انزلقت دمعتان من محجريها العلسيين

والخوف بدأ يزحف كالجاموس البري في صدرها

تحسست عنقها كأنها تختنق فتحت النافذة

  • يا الله كن معنا ولا نبالي

قالت هذه الكلمات وعيناها تبحثان على هاتفها لتطمئن على زوجها

  • أين أنت
  • عائد إلى البيت
  • ماذا قال أبو رمزي
  • بعد غد الرحلة … لذا علينا أن نلملم الحقائب لم أستطع الجلوس على كرسي المقهى من دهشتي وفرحي لما قاله أبو رمزي واتصلت بصاحب الكراج لأنهي عملي فأننا بحاجة للنقود لنتمم بعض الأمور

أقفلت سماح الاتصال ومازالت غصة ما رأت عالقة في حلقها ولم تخبر زوجها بما رأت اكتفت بإقناع نفسها

  • هلاوس الغربة والتعب

مضى شهر على استقالته من عمله بالكراج ولم يأت القارب بعد …. أبو رمزي هاتفه مغلق

لا شيء جديد في انتظاره بالغرفة بالقرب من حقيبته

قال لنفسه

  • سيتصل أبو رمزي ومعه أوراق السفر لقد دفعت له كل ما أملك وخسرت عملي ولم يبق لي سوى حقيبة وحلم

تنظر إليه سماح

  • الغائب عذره معه
  • أربعة أيام وهاتفه مغلق

قرع على الباب وهو تيبس وجهه اما عيني سماح

صوت من الخارج:

  • لك أمانة من أبو رمزي

ركض باتجاه الباب ليرى جواز سفره وعدة دولارات وورقة كتب عليها

  • لأسباب قاهرة ألغيت الرحلة وهذا ما تبق لكم

اغلق الباب ناظراً إلى سماح

سماح تسمع أصوات خطواتها الراكضة صوب باب مدرستها ولكنهم اغلقوا الباب دونها

Font Resize