11 February, 2025

درب الصادقين.. حكايات مشوقة ومؤثرة لـ “جنرالات الصبر” في سجون الاحتلال

رائد موسى

ولد في الكويت، وعاش وترعرع في الأردن، ودرس الهندسة في كوريا الجنوبية، قبل أن يقرر العودة إلى فلسطين، حيث أرض آبائه وأجداده، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، قادته إلى سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي يقضي فيها حكما هو الأطول في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة، وعلى مستوى العالم.

إنه “أمير الظل” الأسير عبد الله البرغوثي من مواليد الكويت عام 1972، متزوج ولديه 3 أبناء، وقد اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في الخامس من مارس/آذار عام 2003، وحكمت عليه بالسجن 67 مؤبدا و5200 عام، بعد اتهامه بالمسؤولية عن عمليات ضد الإسرائيليين، والمساهمة في إعادة تأسيس كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.

حكاية البرغوثي ويكنى بـ “أبو أسامة” واحدة من بين حكايات 42 أسيرا فلسطينيا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو لعدة مرات في سجون الاحتلال، يوثقها الأسيران محمد أبو طبيخ وأنور عليان في كتاب “درب الصادقين”، ألفاه داخل السجن، وتم تسريبه وطباعته بواسطة “مؤسسة مهجة القدس” في غزة.

درب الصادقين يروي حكايات ممزوجة بالألم والتشويق لأسرى محكومين بالمؤبد في سجون الاحتلال-رائد موسى-الجزيرة نت
درب الصادقين يروي حكايات ممزوجة بالألم والتشويق لأسرى محكومين بالمؤبد في سجون الاحتلال (الجزيرة)

سير أبطال من فلسطين

تتشابه حكايات الأسرى الفلسطينيين في محطات كثيرة، ويربطها عنوان عريض هو مقاومة الاحتلال بحثا عن الحرية، وفي سبيل ذلك يفقد الأسير حريته الشخصية ذاتها، عندما تزج به سلطات الاحتلال في السجن، حتى أصبح الفلسطينيون يطلقون على أمثال البرغوثي “شهداء مع وقف التنفيذ”، إذ لا أمل أمامهم باستعادة حريتهم سوى صفقات تبادل الأسرى.

يصف البرغوثي تجربته بالتحقيق والتعذيب مدة 6 أشهر متواصلة “كنت ميتا يحمل بقايا أنفاس أجراها الله بجسدي حارما إياي من الشهادة التي كنت أطمع بها، فالشهادة كانت هدفي ومطمعي”  ويكمل “لم أستشهد وأخذت على نقالة إلى زنزانة في القدس كأشلاء لا ينقصها سوى كيس أسود من تلك التي توضع بداخلها الجثث”.

لهؤلاء خصص الأسيران أبو طبيخ وعليان ساعات طويلة في الاستماع لشهاداتهم، وتدوينها وتوثيقها في كتاب “درب الصادقين”، المكون من 700 صفحة على جزأين، وصفته مؤسسة “مهجة القدس” كما هو ظاهر على صدر غلافه بأنه “حكايات جهادية من بطولات المقاومة الفلسطينية”.

وقال الناطق باسم المؤسسة محمد الشقاقي -للجزيرة نت- إن “درب الصادقين يحتوي على حكايات لأسرى تصلح أن تتحول إلى أعمال سينمائية، لما فيها من تشويق وإثارة، والكثير من معاني البطولة والصبر والفداء”.

محمد الشقاقي الأسرى قهروا السجان وواصلوا ابداعهم داخل السجون -رائد موسى-الجزيرة نت
محمد الشقاقي: الأسرى قهروا السجان وواصلوا إبداعهم داخل السجون (الجزيرة)

مهمة معقدة

لم تكن مهمة الأسيرين أبو طبيخ وعليان سهلة بجمع المادة الموثقة عن أسرى المؤبدات في سجون الاحتلال، وتدوينها وتوثيقها، وإيجاد الوسيلة المناسبة لتهريبها من السجن، وصولا إلى طباعتها في كتاب حرصت مهجة القدس على جودته وإثرائه بالكثير من الصور الداعمة والشارحة، بحسب الشقاقي.

وينحدر الأسير عليان من مدينة طولكرم بالضفة الغربية، وهو معتقل منذ العام 2003 ويقضي حكما بالسجن 23 عاما، بينما الأسير أبو طبيخ معتقل منذ العام 2002 ويقضي حكما بالسجن المؤبد مرتين و15 عاما.

وقال الشقاقي إن الأسيرين عليان وأبو طبيخ بذلا جهودا مضنية وساعات طويلة من الاستماع لشهادات وحكايات الأسرى داخل السجون، لتوثيق سيرهم بشكل علمي ومنهجي، وهو ما ساعد على خروج الكتاب بمحتوي غني، ويعكس حالة فريدة ورائعة من وحدة الحركة الوطنية الأسيرة، التي تتماهى فيها ألوان فصائل المقاومة.

ويتفق المدير العام للدراسات والتوثيق في “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” التابعة لمنظمة التحرير عبد الناصر فروانة مع الشقاقي على أن “درب الصادقين” اعتمد منهجا دقيقا في التوثيق، ويحسب للأسيرين عليان وأبو طبيخ حرصهما على سرد حكايات أسرى من تنظيمات وقوى مختلفة، وموزعين على مناطق جغرافية عدة، ليرسم الكتاب “خارطة فلسطين التاريخية كما طبعت في قلوب وعقول هؤلاء الأسرى”.

وقال فروانة -للجزيرة نت- إن “درب الصادقين” يمثل إضافة نوعية لمكتبة الحركة الوطنية الفلسطينية، وخاصة الحركة الأسيرة، وهو أحد إبداعات الأسر ويطلق عليه “أدب السجون”، الذي يعكس عزيمة وإرادة الأسرى رغم كل ما يتعرضون له من عذابات داخل سجون الاحتلال.

عبد الناصر فروانة درب الصادقين اضافة نوعية للمكتبة الوطنية الفلسطينية-رائد موسى-الجزيرة نت
عبد الناصر فروانة: درب الصادقين إضافة نوعية للمكتبة الوطنية الفلسطينية (الجزيرة)

وبحسب الشقاقي، فإن الكتاب مر بمراحل كثيرة صعبة ومعقدة، بدأت من تدوين شهادات الأسرى داخل السجون، مرورا بصياغتها، وحتى إخفائها بالوسيلة المناسبة للتهريب، وصولا إلى أيدي مختصين عكفوا على مراجعتها وتدقيقها، ليكون بذلك قد اجتاز أعلى درجات تدوين التاريخ.

وتخطط مهجة القدس حاليا لترجمة “درب الصادقين” إلى عدة لغات، وتوزيعه حول العالم، للتعريف بقضية الأسرى في سجون الاحتلال، ودحض الرواية الإسرائيلية الزائفة التي توصم الأسرى بالإرهابيين وتنفي عنهم وصف “مقاتلين من أجل الحرية”.

جنرالات الصبر

وازدادت أهمية “درب الصادقين” بالتركيز على من يصفهم الفلسطينيون بـ “جنرالات الصبر”، وهم الأسرى الذين مضى على اعتقالهم المتواصل في سجون الاحتلال أكثر من ربع قرن.

وقال فروانة إن أمثال هؤلاء الأسرى بحاجة إلى مساحات كبيرة من الاهتمام على كل الصعد، كي لا تتحول سجونهم وزنازينهم إلى قبور دائمة، ولا بد أن تبقى قضيتهم حية، حتى تكتب لهم الحرية، التي لا أمل لهم بها إلا في إطار صفقة تبادل تفرض فيها المقاومة الفلسطينية شروطها.

ويقبع في سجون الاحتلال 551 أسيرا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد، لمرة أو لعدة مرات، وهي أحكام مفتوحة وغير محددة زمنيا بالنسبة للأسرى الفلسطينيين، وإنما أحكام بالسجن مدى الحياة، ومن بين هؤلاء 19 أسيرا اعتقلوا منذ 30 عاما وأكثر، أبرزهم الأسير كريم يونس المعتقل منذ 40 عاما.

المصدر : الجزيرة
رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=6012
Font Resize