يوسف الشايب
كانت الحكايات النادرة، التي لم تغادر ذاكرة أصحابها، العنوان الأبرز في حفل إحياء ذكرى مولد الشاعرين توفيق زياد وسميح القاسم، في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أول من أمس.
وتخللت الأمسية التي نظمتها مؤسسة محمود درويش، وأدارها الشاعر محمود أبو الهيجاء، شهادات لنائلة زياد متحدثة عن زوجها ورفيق دربها، والأديبة نسب أديب حسين القاسم متحدثة عن عمّها، والشاعر المتوكل طه.
وعلى مدار ربع ساعة أو يزيد قليلاً، قدّمت زياد العديد من الحكايات حول توفيق، كأنها تستعرض باختصار شريط حياته أمام الحضور، لافتة إلى العلاقة الطيبة والنضال المشترك بينه وبين سميح القاسم، وكذلك محمود درويش، كاشفة عن أنه كان “يقود التظاهرات منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية ضد الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين”، وبعد النكبة “انضم إلى عصبة التحرر الوطني، وفيما بعد إلى الحزب الشيوعي، وفي العام 1954 قاد حملة تحريض ضد سياسة إسرائيل العنصرية في فرض التصاريح على المواطنين العرب الفلسطينيين للتنقل من منطقة إلى أخرى داخل الأراضي المحتلة العام 1948″، وكذلك قاد تحركاً بالتنسيق مع قيادات الحزب ضد ما كان يعرف بـ”ضريبة الرأس”، واعتقل وقتها من قبل الشرطة، وتعرض لضرب مبرح طوال الطريق من عرابة إلى الناصرة، قبل نقله إلى طبريا التي تعرض في سجنها إلى أسوأ أنواع التعذيب، ومنها تلك التي كان السجّانون يهدفون عبرها إلى كسر عموده الفقري، لكنه قاوم ورفض أي مساومات.
تقول نائلة زياد: في العام 1958، قررت إسرائيل تنظيم احتفال بدعوى عشر سنوات على قيامها، واختاروا الناصرة، وأحضروا مغنيات ومغنين ومفرقعات للاحتفال، لكن الشيوعيين، وبينهم توفيق زياد، نزلوا إلى الميدان، وحرّضوا الفلسطينيين في الناصرة، فضربوا من كانوا على المسرح، وأُلغي الحفل، واعتقل بعدها برفقة قرابة 400 شخص، وكتب وقتها قصيدة “ألقوا القيود على القيود”، وفي العام 1962 درس الاقتصاد السياسي في الاتحاد السوفياتي، وفي العام 1966 كان زواجنا، وكان زواجاً مدنياً في قبرص لكونه مسلماً وأنا مسيحية.
وتحدثت عن يوم الأرض في العام 1976، حيث كان وقتها قد مرّت أشهر على كون توفيق رئيساً لبلدية الناصرة، وقبلها كان انتخب عضواً في الكنيست، وعضو لجنة الدفاع عن الأراضي، التي قررت اعتماد الثلاثين من آذار يوماً للأرض، وتم إقراره رغم محاولات السلطات الإسرائيلية والمتعاونين معهم لعدم تمريره، وحظي هذا القرار بدعم شعبي كبير، لتختتم: إنه “وبعد لقائه بالرئيس الراحل ياسر عرفات في أريحا، إثر عودته ورفاقه إلى أرض الوطن، كان الحادث، ورحل عنا، هو الذي كان يوجعه أن العمل السياسي، الذي كان يسكنه، أخذ منه الكثير مما كان لديه على الصعيد الإبداعي”.
بدورها، تحدثت نسب أديب حسين عن ذكرياتها مع الشاعر سميح القاسم، رغم فارق السن الكبير بينهما، ساردة العديد من الحكايات، ومنها إصراره على إقامة متحف لمبدعي العائلة وتاريخها في الرامة، وتولت هي مهمة إنجازه، وكان أن قدّم لها الدعم الكبير، ومنح المتحف قطعاً أثرية شكّلت الأساس له، كما استذكرت تلك الحكايات التي كان يقصها عليها وعلى أفراد العائلة قبل رحيله، منها تجربته بالتمثيل، وكيف تفاعلت والدته ووالدة من يغتاله على خشبة المسرح تمثيلاً، معتقدتين أن سميح قتل صديقه وابن بلدته بالفعل، فأخذتا تصيحان وتولولان في القاعة.
أما الشاعر المتوكل طه، فقصّ من بين ما قصّه، كيف تفاعل الأسرى في سجن النقب مع زيارة توفيق زياد لهم، حين كان عضواً في الكنيست، وكيف أخذ الثمانية آلاف معتقل يهتفون بحنجرة واحدة “أناديكم”، فحدث ما يشبه الزلزال في “أنصار 3″، وهو ما أثار حفيظة السجّانين ومديرهم، في وقت كان فيه سميح القاسم يقود تظاهرة في الخارج دعماً لهؤلاء الأسرى، وكان المُتحدث أحدهم، باعتبار أن القاسم، حينذاك، كان رئيساً لاتحاد الأدباء الفلسطينيين في الداخل، بمشاركة محمد علي طه ونخبة الكتاب والأدباء في الداخل المحتل العام 1948.
وكان فتحي البس، مدير مؤسسة محمود درويش، أشار إلى أن هذا الاحتفال يأتي باكورة لمشروع تطلقه المؤسسة تحت عنوان “ذكرى مبدع”، مشدداً على أن المبدعين الفلسطينيين ممّن رحلوا كانوا مشاعل في حياتهم، ولا يزالون، علاوة على كونهم يشكّلون ذاكرتنا الجمعية.
المصدر|| الأيام
الرابط المختصر||https://palfcul.org/?p=4408