7 December, 2024

“الشعراء يكتبون مواقفهم في الشاعر اللبناني سعيد عقل”

بقلم: فايز أبو عيد

غيب الموت الشاعر اللبناني سعيد عقل يوم الجمعة 28/ نوفمبر ــ تشرين الثاني/2014 عن عمر ناهز الـ 102 عام. وبموته فتح الباب مشرعاً بين مؤيد يمتدحه وبين معارض لآرائه ومواقفه السياسية فبات يكيل له الذم، الشاعر سعيد عقل ولد عقل بمدينة زحلة شرقي لبنان عام 1912، وقد لقب بالشاعر الصغير نظرا لنظمه الشعر منذ الطفولة، وبدأ العقل حياته عروبياً، فانضم إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وألف العديد من القصائد التي تتغنى بالشام، مما جعل وسائل الإعلام الرسمية السورية تحديدا تشيد به.

غير أنه بدّل مواقفه بشكل كامل، حين تبنى رؤية مضادة للعرب والقومية العربية تؤكد أن لبنان ليس جزءاً من الوطن العربي، بل إن تاريخه وتراثه الفينيقي هو الأصل، كما تبنى موقفاً معادياً للوجود الفلسطيني بلبنان.

وقد عرف عنه بمواقفه السياسية المناصرة للكيان الصهيوني والذي أيد فيها الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام1982، فكتب في إحدى الجرائد يشكر القوات الإسرائيلية على ما فعلته، ودعا اللبنانيين إلى القتال إلى جانب قوات الاحتلال، مؤكدا أنه كان سيقاتل إلى جانبها لو أسعفته الظروف، وكذلك اتهمه بعضهم ببغضه للفلسطينيين حيث قال رداً على من يرحب بالفلسطينيين في لبنان “نرحب بالفلسطينيين في لبنان، ولكن تحت الأرض (يعني مقبورين)”، أما مناصريه ومؤيديه فقد اعتبروه بأنه من رفع القضية الفلسطينية الى أقطار المعمورة من خلال اشعاره.

الشاعر الفلسطيني “ياسر علي”

رأى خلاف ذلك وشدد بأنه بغض النظر عن شعره فأنه كان “شيئا عنصرياً مملاً حقوداً يكره الفلسطينيين كرهاً شديداً، فقد اعتبر خلال الاجتياح الإسرائيلي أن كل لبنان يجب أن يقاتل بجانب “الاسرائيليين” ضد “العنصرية الدموية الفلسطينية”، على حدّ تعبيره، وفي حادثة تُدلل على ذاك الكره أيضاً فقد آخذ العقل الفلسطيني “صبري الشريف” مخرج مسرحيات الرحابنة إلى كميل شمعون ليستصدر له الجنسية اللبنانية، وقال له: يا فخامة الرئيس، حرام هالعبقري يكون فلسطيني، كما وصفه العلي بأنه الأب الروحي لتنظيم “حراس الأرز” ومؤسس جريدة “لبناننا”

التي نشرت ما نشيت عن “مجزرة صبرا وشاتيلا” بعنوان “عن القتلة: أولادنا اللي بدّعوا” خاتماً شهادته بأن هذا هو سعيد عقل.

فيما اعتبرت أحدى الشاعرات اللبنانيات المناصرة للعقل أن مواقفه السياسية هذا شأنه، وكل شخص له الحرية في ما يرغب في تعبيره، وتسألت لماذا نتغاضى عن شاعر أعطى اللغة العربية غنى عجز عن إعطائه غيره من شعراء العرب وما العيب في أن يحب قوميته ويحب الحرف الفينيقي حيث لم يتنكر العقل لشعبه، فهو الشاعر الوحيد في العالم الذي قدم جوائز لشعراء لم يصغر أحداً ولم يقزم أحداً، واعتبرت أنه يجب علينا ان نرى من الكأس نصفه الملآن وليس التركيز على النصف الفارغ منه، وأضافت أن هذه هي أزمة العرب يتركون الجيد ويلهثون خلف المجهول غير المنتج .

وبدوره كتب رئيس مجلة الآداب مقالاً يوم 7/9/2011 بعد تكريم الشاعر سعيد عقل لمناسبة بلوغه المئة عام بعنوان” تكريم سعيد عقل: كم أكره هذا اللبنان!

قال فيها لا معنى لاستعراض كلمات المحتفين التي يمكن أن تنطبق على أيّ شاعر (أو مواطن) كان. فقط أتساءل: هل شاهد ممثلو النظام اللبنانيّ المقيت مقابلة سعيد عقل مع التلفزيون الإسرائيليّ في مطلع الثمانينيّات من القرن الماضي؟ هل يمْكن تكريمُ شاعر “لبنانيّ” لشعره فقط… وغضُّ الطرْف عن مواقفه من العدوّ الإسرائيليّ؟ هل نبرّر مواقفَه المخزية بـ “تفهّم الوضع” الذي دفع بعضَ الناس، في فترةٍ ما، إلى التعامل مع العدوّ؟ وإذا صدف أن “اضطُرّ” بعضُ المواطنين القاطنين في “الشريط الحدوديّ” إلى التعامل مع العدوّ، فلماذا يتبرّع شاعرٌ لا يعيش تحت الاحتلال إلى مديحه بوقاحةٍ عزّ نظيرُها؟ وهل اعتذر سعيد عقل عن كلامه قبل أن تكرّمه الدولة… بكافّة رموزها؟

“ومن جهته اعتبر الشاعر حبيب يونس في حديث لجريدة النهار اللبنانية بأنه” ليس منطقياً هذا الحقد الأعمى على سعيد عقل، ماذا قدّم الذين ينتقدونه لفلسطين بقدر ما فعل هو؟ أليس هو من قال “الآن الآن وليس غدا أجراس العودة فلتقرع”، فكلّ التراث الذي كتب عن فلسطين لا يوازي بيتاً واحدًا من عقل عن فلسطين.

في حين قال الشاعر الجزائري “محمد جربوعة”:” لقد تلقيتُ رسالة من أحد أصدقائي من الشعراء العرب، يقول فيها: “ليتك تحتفي بسعيد عقل في صفحتك”. )

ورغم ما لصديقي من مكانة في قلبي، إلا أنّني أرى دائماً أنّ الشجرة مهما طالت لا تبلغ ربها وأنّ كل ما تحت الأرض إن لم يأخذ لون السماء فهو نشاز.

وأضاف أنني منذ سنوات تابعتُ حواراً مع سعيد عقل في إحدى الفضائيات اللبنانية، كانت المذيعة تقرأ لعقل نتفاً من قصائد قديمة له، وكان يشد جبينه وشعره بيده مترنّحاً من قراءتها وهو يقول بلهجته اللبنانية: ( يا بيي ( يا أبي)، أنا يلي كتبت كل هاد ؟) كان يستغرب أنه هو من كتب ذلك يوماً.

وأردف الشاعر الجزائري اليوم يفضي سعيد عقل إلى ما قدّم، لكنّني لا أستطيع أن أكتب شيئا عنه، أو لعله هو الذي لم قد حال بيني وبين أن أكتب عنه، بما قدّمه من مواقف لا تعجبني

سعيد عقل كان من أنصار ( العامية اللبنانية)، يدعو إلى استخدامها وترسيمها باعتبار أن المستقبل لها.

كما أنه كان ضد الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان، وهذا ملف يعتبر جرحاً في لبنان والأردن، وحينها كتب درويش ( سقط القناع ..تركوك وحدك يا أخي).

وونوه الشاعر محمد جربوعة إلى أن سعيد عقل كان من المصفقين لإجتياح “إسرائيل” للبنان سنة 1982، وقد كتب ذلك صريحا في جريدته المسماة (لبنان).. وهو ما جعل الكثيرين يصفونه بـ ( حليف شارون).

وبحسب قول الجربوعة أنه ليس من المثقفين والشعراء الذين يرون أنّ الشاعر ( إله) لا يخضع لسلطة الله وأنّ القصيدة الجميلة حتى إذا كانت تسبّ الله يجب أن يقال فيها جميلة).

أنا رجل لي ربّ سأعرض عليه في يوم عصيب، ولي دين أحترم ضوابطه، لذلك عملت وبكل شجاعة على تكسير ما حاول الكثيرون ترسيخه ، مِن أنّ الإبداع لا يكون إبداعاً إلا إذا تحرّر من قيود وضوابط السماء

مدرستي تقوم على غير ذلك، والقصيدة عندي امرأة مؤمنة ، أحبها وهي تحب الله، رغم فتنة حسنها وروعة عينيها وغرورها المجنون

بينما شدد الشاعر التونسي جميل مروة في تصريح لجريدة العرب اللندنية أن ما زرعه سعيد عقل يتلوى بفعل أعاصير الجهل ومواسم التسويف التي تضرب مجتمعنا لعقود سبع جعاف. فأثر سعيد عقل ونواصع أفكاره يتساوى إندثارها وألواح الطين المسمارية التى نقبها الغريب من الأرض التي ورثنا، ومجتمعه البعيد هو المستفيد من خير غلة المنقب، ونتاج قرون من البشر الذين سكنوا هاذي الديار التي ورثتا. تقول لي تخيل! نعم، أتخيل تلميذا جلودا طموحا في مكتبة في السويد أو البرازيل أو الصين منكبا على أعمال سعيد عقل، ولا أرى حتى سراب اهتمام من مجتمعنا.

إلى ذلك كتب الشاعر فراس حج محمد من فلسطين لقد رحل الشاعر سعيد عقل وهو علامة بارزة في الثقافة العربية، وإن اعتد بأصوله الفينيقية الراسخة وقوميته اللبنانية، وهذا ليس حكرا عليه وحده فالفلسطينيون الذين هاجموه وانتقدوه ونبشوا ماضيه يعتزون بكنعانيتهم، ويرددون بأنهم “شعب الجبارين”، كما اعتز المصريون، وما زالوا، بفرعونيتهم، والسوريون والعراقيون بأشوريتهم، ولعله رجوع وارتاد في الثقافة العربية، تلك التي أخذ أهلها وسدنتها يعودون إلى ما قبل التاريخ ليثبتوا أصالتهم، بعيدا عن التشكل الديني والمعرفة اليقينية، وهو ارتداد صاحبته ظروف ليست فكرية فقط، بل أراه نابع من أزمة حضارية كبرى، ما زالت تشعر العربي بأنه متخلف عن ركب الحضارة الحديثة!

وفي سياق مختلف كتب الشاعر السوري أنس الدغيم على صفحته في مواقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك “سعيد عقل لن أودعك .. كنت بوقاً للطغاة والجناة.. و إنّ الذي يتغنّى بمجازر صبرا و شاتيلا لن يكون في صدره قلبُ شاعرٍ نبكي عليه”.

الرابط المختصر||https://palfcul.org/?p=3161

Font Resize